سورة آل عمران (003)
الدرس (2)
تفسيرالآيات: (3 ـ 6)
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثاني من سورة آل عمران ، ومع قوله تعالى :
﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ(3)مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
1ـ ما هو الحقٌّ ؟
أيها الإخوة ، هذا الكتاب ـ القرآن الكريم ـ نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالحق ، والحق هو الشيء المستقر ، ونقيضه الباطل ، والحق الشيء الهادف ، نقيضه العابث ، والقرآن الكريم يفسِّر بعضه بعضاً ، فالحق الشيء الثابت ، المستقر ، المستمر ، والباطل الشيء الزائل ، فالباطل نقيض الحق ، والحق الشيء الهادف ، فقد نؤسس جامعة ، وأهداف الجامعة كبيرة جداً ؛ تخرّج قادة للأمة ، علماء ، وقد نفتتح ملهى ، والملهى مهمته ابتزاز أموال الناس ، وجعلهم في أحطِّ ما يكون ، فالشيء الثابت والذي له هدفٌ نبيل هو الحق ، فإذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
( سورة التغابن : من الآية 3 )
أي أن الحق لابَسَ خلق السماوات والأرض ، وأن هذا الكون أوجده الله عزَّ وجل ليبقى ، لكن :
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) ﴾
( سورة الرحمن )
و ..
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ﴾
( سورة القصص : من آية " 88 " )
لكن بعد الحياة الدنيا هناك جنةٍ إلى أبد الآبدين ، وجهنَّم إلى أبد الآبدين ، فإذا قلت : إن الله خلقني بالحق أي أنك خلقت لتبقى ، وما الموت إلا حالةٌ طارئة ..
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
( سورة آل عمران : من آية 185 )
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77) ﴾
( سورة الزخرف )
فالحق الشيء الثابت ، والحق الشيء الهادف ، له هدفٌ نبيل .
أما العَبَث فهو حركة بلا هدف ، الذي يلعب بالنرد هذا عبث ، ما فيه فائدة ، بل هو تمضية وقتٍ ، وشدّ أعصاب ، فكل شيء لا هدف له ، ولا جدوى منه ، ولا يحقق شيئاً أساسياً في الحياة يقال له : عبث ، واللعب عبث ، فإذا قلنا : هذا الكتاب نزل بالحق ، أي لابس الحقُّ نزولَه ، فكتابٌ ..
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾
( سورة فصلت : من الآية 43 )
من عند خالق الأكوان ، أي قطعي الثبوت ، وهدفه هداية الخلق إلى الحق ، هداية الخلق إلى سبل سلامتهم ، وسبل سعادتهم ..
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
( سورة الإسراء : من الآية 9 )
2 ـ القرآن نزل بالحق :
شيء لا يصدق ، كتابٌ بين يديك فيه منهجٌ كامل ، والنبي شرحه بعشرات ألوف الأحاديث ، فأنت معك كتابٌ هو وحي السماء من عند خالق الأكوان ، ومعك شرحٌ لهذا الكتاب من قِبَل سيِّد وَلد آدم ، فهذا الكتاب نزل بالحق ، صحيح مئة بالمئة ، حقائقه قطعية مئة بالمئة ، أهدافه نبيلة جداً ، وهناك كُتُب أخرى ، وكلها من عند الله ، إذاً لابد أن يصدِّق هذا الكتاب الكتب السابقة ..
﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾
الآن ، الباطل زائل ولو كان أكبر قوة في العالم ..
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81) ﴾
( سورة الإسراء )
وهناك قوى كبيرة جداً في العالم تهاوت كبيت العنكبوت ، لأنها باطل ، الباطل عقيدةً وقوةً إلى زوال ، لأن الله عزَّ وجل يقول :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81) ﴾
كل شيء باطل زائل ، كل شيء غير صحيح لا يستمر ، والعوام تعبِّر عن هذه الحقيقة بطريقةٍ خاصة ، يقول لك : لا يصح إلا الصحيح ، أي لا يستمر إلا ما كان صحيحاً ، وكل شيء وفق الكتاب والسنة مستمر ، فالإسلام حق إذاً فهو مستمر ، شامخٌ كالطود ، أما الضلالات الأخرى فأصبحت في الوحل ، ولو كان أصحابها أقوياء ؛ فقد كانت قريش قوية جداً ، وقد عارضت الحق ، لأن الله مع الحق ، ولأن النبي على حق ، هو الذي انتصر ، وهم أصبحوا في مزبلة التاريخ ، وهم الذين عارضوا النبي ؛ منهم أبو جهل ، وأبو لهب ، وصفوان بن أمية ... إلخ .
البطولة أن تكون مع الحق لأنه دائم ، وأن تكون مع الحق لأنه هادف ، والحق يسمو بك ، الحق ثابت يطمئنك .
3 ـ لا تعلِّق مصيرَك بجهة زائلة :
أحياناً الإنسان يكون مع شخص ، ربط مصيره مع هذا الشخص ، فإن أزيح من مكانه فَقَدَ كلَّ شيء ، فالشخص زائل إذاً هو باطل ، أما الإسلام فباقٍ ، إذاً هو الحق ، فالبطولة هي ألا تربط نفسك ومستقبلك ومصيرك بشيء زائل ، ومن ميزات المؤمن أنه ربط نفسه ومصيره بالله عزَّ وجل ، والله حيٌ على الدوام ، باقٍ حيٌ على الدوام ، فكل إنسان ربط مصيره ، ربط نفسه ، أو حياته ، أو مصيره بجهةٍ أرضيةٍ هو يغامر ، ويقامر ، فلو أن هذه الجهة الأرضية تزعزعت من مكانها ، أو أزيحت من مكانها لَفَقَدَ كل شيء .
المؤمن يشعر بشعور لا يعلمه إلا من فَقَدَه ، ومهما تقدَّمت بك السن ، وكلما تطور العلمُ أكّدَ حقائق الدين ، وأنت ما عندك مشكلة اهتزاز مبادئ ، فإذا وجدت فرقاً بين حقائق العلم وحقائق الدين فهذا من تقصير العلم ، وإذا وجدت خللا بين ما تقرأ في الكتب العلمية وآيات القرآن الكريم فلضعفِ العلم ، أما إذا تقدَّم العلم جاء مطابقاً لما في الكتاب والسنة ، فالمسلم ما في عنده حالة اسمها أن يكتشف فجأةً أنه كان على باطل ، أو أن هذا الذي اعتقد به غير صحيح ، أو أن هذا الذي تعلَّق به زائل ، المؤمن مع الله عزَّ وجل ، وإذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا كان الله معك حفظك ، وأيَّدك ، ونصرك ..
﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ
1 ـ التوراة والإنجيل قبل التحريف موافقتان للقرآن :
في هذين الكتابين اختلاف ، لأن التوارة والإنجيل أصابها التحريف ، أما في أصولها فمتوافقةٌ مع كتاب الله ، لكن حينما بُدِّلت وحُوِّرت كان هناك تناقضٌ بينها وبين كتاب الله ..
﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ(3)مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾
2 ـ لا يترك الله عباده من غير دعوة وإرشاد :
ربنا عزَّ وجل لا يدع عباده من دون دعاوات ، من دون إرشادات ، من دون بيِّنات ، كأن الله عزَّ وجل تكفَّل بهداية الخلق ، قال :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) ﴾
( سورة الليل )
كأن الله عزَّ وجل وصَّل القول لكل الناس ..
﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ ﴾
( سورة القصص : من الآية 51 )
مستحيل تكون أبا وابنك الصغير يتحرَّك حركة عشوائية في غرفة فيها مِدفأة دون أن تحذِّره ، دون أن تبيِّن له ، هذا مستحيل !! رحمة الأب ليست بشيء أمام رحمة الله عزَّ وجل ، الأب يرشد ، يوجه ، يحذر ، ينذر ، أحياناً يمسك بيد ابنه ، ويبعده عن المدفأة ، يتحرَّك ، فربنا عزَّ وجل تولَّى هداية الخلق ، وحيثما جاءت كلمة ( على ) مع لفظ الجلالة ، معنى ذلك أن الله ألزم نفسه إلزاماً ذاتياً بهداية الخلق ، قال :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)﴾
( سورة الليل )
وترجمة هذه الهداية : أنه أنزل هذه الكتب على أنبيائه ، أنزل الزبور، والتوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، القرآن وحده تولى حفظه ..
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) ﴾
( سورة الحجر )
لأن هو المعجزة ، نحن كتابنا هو المعجزة فلابد من حفظ هذه المعجزة ، أما سيدنا عيسى فمعجزته إحياء الميت ، وإبراء الأكمه والأبرص ، سيدنا موسى معجزته العصا ، وشق البحر ، وما إلى ذلك ، فالله عزَّ وجل ما تولى حفظ الكتابين السابقين ، فأصابهما التحوير والتبديل لحكمةٍ أرادها .
﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ(3)مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾
3 ـ القرآن منهج الخالق الخبير فلابد من اتباعه :
الفرقان إذا قرأته ، واستوعبته ، وفهمته ، وتدبَّرته ، بعد قراءته ، واستيعابه ، وفهمه ، وتدبره ، تفرِّق بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والحلال والحرام ، وما ينبغي وما لا ينبغي ، وما يجوز وما لا يجوز ، وما يُسعد وما يشقي ، كيف أن شرب الماء فرضٌ على الجسم كي يبقى حياً ، وكيف أن استنشاق الهواء فرضٌ على الجسم كي يبقى حياً ، وكيف أن تناول الطعام فرضٌ على الجسم كي يبقى حياً ، كذلك فرضٌ على النفس أن تستوعب هذا الكتاب لأنه منهجها ، ولأنه سبيل سلامتها وسعادتها ، ولأنه دستورها ، ولأن فيه تِبْيان كل شيء .
عندما تجد آلة بالغة التعقيد وغالية جداً ، وتجد معها كتاب تعليمات باللغة العربية ، يصيبك سرور ما بعده سرور ، تقرأه بشغفٍ عجيب ، لو اشتريت آلةً بالغة التعقيد ، غالية الثمن ، عظيمة النفع ، مثلاً : هناك الآن كومبيوترات ، حواسب يمكن أن تحلل الدم ، تأخذ قطرة دمٍ ، وتضغط على المفتاح ، فيأتي سبعة وعشرون تحليلاً ، فإذا أمرت بطبعها يطبعها ، فإذا كان كل تحليل بثلاثة آلاف ليرة ، وعندك مئة زبون واقفين ، والعمل كله بكبسة زر ، فهذا شيء مفيد جداً ، هذا الحاسوب جاء بلا كتاب تعليمات ، كتاب التعليمات أهم منه ، لأنك لو استعملته بلا تعليمات الصانع أعطبته ، وإن خفت على سلامته فلن تستعمله ، وجمدت ثمنه ، ألا ترى معي أن كتاب التعليمات أهم منه ؟ لذلك قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَانُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَان ﴾
( سورة الرحمن )
4 ـ لا معنى لوجود الإنسان من دون منهجٍ :
علم القرآن ، خلق الإنسان ، أيعقل أن يُعَلَّم القرآن قبل أن يخلق ؟ هكذا الترتيب ، قال علماء التفسير : هذا ترتيبٌ رُتَبِيّ لا ترتيبٌ زمني ، أي لا معنى لوجود الإنسان من دون القرآن ، لا معنى لوجودك من دون منهج تسير عليه ، فهذا الكتاب فيه الحلال وفيه الحرام ، وفيه الخير وفيه الشر ، فيه تعريف بالشر ، وتعريف بالخير ، والأمر والنهي ، طريق السلامة ، وطريق السعادة ، آيات كونية ، وآيات إخبارية ، الأقوام السابقون ، والمستقبل البعيد ، والماضي السحيق ، كله في القرآن الكريم ، وجاء النبي وفسَّره تفسيراً رائعاً في أحاديثه الشريفة ، فهذا شفاء ، وهذا فرضٌ على كل إنسان أن يقرأه ، وأن يفهمه ..
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ v﴾
طبعاً ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾
1 ـ الكفر بآيات الله القرآنية والكونية والتكوينية :
الكونية ، أو كفروا بآياته القرآنية ، أي القرآن لم يعبأ به ، اتخذه مهجوراً ، لم يقرأه أبداً ، ولم يسأل عمَّا به ، أنتم لماذا هنا ؟ من أجل أن تتعلموا شيئاً من كتاب الله ، هذا عمل عظيم ، وهذا عمل جليل ، وهذا عمل يرقى بكم ، فما من عملٍ أعظم في حياتنا من أن نفهم منهج ربنا ، أنت اشتريت هذا الحاسوب من أجل أن ترتزق به ، فأعظم عمل أن تقرأ تعليمات الصانع ، كيف تستخدمه من أجل أن تربح ، وأنت حينما تحضر درس علمٍ في تفسير كتاب الله ، تقوم بأخطر عمل ، لأنك تأتي إلى بيت الله كي تتعرَّف إلى أمر الله ، ونهي الله ، والحلال والحرام ، والخير والشر ، وما ينبغي وما لا ينبغي ، فـ ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾
2 ـ الكفر بآيات الله يتبعه عقاب من الله :
إن المخلوق عنده شهوات ، تحرك بدافع من شهواته من دون منهج ، فأكل المال الحرام ، فاستحق عقاب الله ، أو اعتدى على عرض الناس ، فاستحق عقاب الله ، أو أساء إليهم ، فاستحق عقاب الله ، أي لهم عذاب شديد لأنهم تحركوا بلا منهج ، فلو أن سيارة ثمنها خمسة وعشرون مليونًا من أرقى الأنواع ، هذه مصممة لتقدِّم لك كل الخدمات ، فيها وسائل راحة مذهلة ، فيها وسائل أمان ، لكن إنساناً قادها وهو مخمور ، وخالف تعليمات الصانع ، فنزل بالوادي ، لأنه قادها مخموراً ، وخالف تعليمات الصانع كانت هذه المركبة وبالاً عليه ، فـ ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾
شيء طبيعي جداً أنهم سوف يتحرَّكون بلا منهج ، بلا أمر ونهي ، لكن ما مشكلة الناس ؟ يلتقي مع مَن يريد ، ويحملق فيمَن يريد ، ويأكل ما يريد ، ويأخذ من المال ما يريد ، لا ضوابط عنده ، أي مالٍ سنح له أن يأخذه أخذه ، أي منفعةٍ ، أي لقاءٍ ، أي جلسةٍ ، أي حفلةٍ ، فما عنده قيود إطلاقاً ، فهذا الذي يتحرَّك بلا قيود ، وبلا حدود ، وبلا قيَم ، وبلا هدف سوف يأكل ما ليس له ، سوف يعتدي قولاً واحداً على أموال الناس ، أو على أعراضهم ، إذاً لابدَّ من أن يعاقبه الله عزَّ وجل ..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
3 ـ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
معنى العزيز والمنتقم :
قال علماء التفسير : المنتقم هو الذي يردع عبده العاصي ، عبد قوي مسترسل في معاصيه ، يفعل ما يريد ، ما معنى ينتقم الله منه ؟ يوقفه عند حده رحمةً به ، الله عزَّ وجل لا يُغلب ، ولا ينال جانبه ، فهو عزيز .
من أجمل ما قرأت عن العزيز : أنه الواحد الذي لا شريك له ، ويستحيل أن تصل إليه ، ويحتاجه كل شيءٍ في كل شيء ، بأدق عبارة : يحتاجه كل شيءٍ في كل شيء ، ومستحيلٌ أن تصل إليه وصول إحاطة ، فمن الممكن أن تصل إلى البحر ، وتقف إلى الشاطئ ، هذا وصول ، أما أن تحيط بالبحر فهذا مستحيل ، فتصل إلى بابه ، تسأله ، تدعوه ، تتعرف إليه ، أما أن تحيط به فهذا مستحيل ، الله عزَّ وجل عزيزٌ ذو انتقام .
إذاً :
﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾
هذا القرآن ..
﴿ بِالْحَقِّ ﴾
الحق هو الشيء الهادف والثابت ، فلماذا هو ثابت ؟ لأنه حق ، لماذا هو حق ؟ لأنه ثابت ، ما معنى ثابت ؟ كتابٌ ليس فيه إلا الحقائق ، والحقيقة ثابتة ، المعادن تتمدد بالحرارة ـ هذا قانون ـ أينما ذهبت ، إلى الشرق أو إلى الغرب ، أو إلى شمال أو إلى جنوب ، إلى دولة متطورة جداً ، أو إلى دولة متخلفة جداً هذا قانون ثابت ، فإذا استوعبت يسعدك ، هذا هادف إذاً ، فالكتاب بالحق يعني أنه ثابت وهادف ..
[